فصل: الشاهد الثلاثون بعد الثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.دولة ابن غانية:

.الخبر عن دولة ابن غانية من بقية المرابطين وما كان له من الملك والسلطان بناحية قابس وطرابلس واجلابه على الموحدين ومظاهرة قراقش الغزي له على أمره وأولية ذلك ومصايره.

كان أمر المرابطين من أوله في كدالة من قبائل حتى هلك يحيى بن إبراهيم فاختلفوا على عبد الله بن ياسين إمامهم وتحول عنهم إلى لمتونة وأقصر عن دعوته وتنسك وترهب كما قلناه حتى إذا أجاب داعية يحيى بن عمرو أبي بكر بن عمر من بني ورتانطق بيت رياسة لمتونة واتبعهم الكثير من قومهم وجاهدوا معه سائر قبائل الملثمين وكان مسوقة قد دخل في دعوة المرابطين كثير منهم فكان لهم بذلك في تلك الدولة حظ من الرياسة والظهور وكان يحيى المسوفي من رجالاتهم وشجعانهم وكان مقدما عند يوسف بن تاشفين لمكانه في قومه.
واتفق انه قتل بعض رجالات لمتونة في ملاحاة وقعت بينهما فتثاور الحيان وفر هو إلى الصحراء ففدى يوسف بن تاشفين القتل ووداه واسترجع عليا من مفره لسنين من مغيبه وأنكحه امرأة من أهل بيته تسمى غانية بعهد أبيها إليه في ذلك فولدت منه محمدا ويحيى ونشأا في ظل يوسف بن تاشفين وحجر كفالته ورعى لهما علي بن يوسف ذمام هذه الأمور وعقد ليحيى على غرب الأندلس وأنزله قرطبة وعقد لمحمد على الجزائر الشرقية وميورقة ومنورقة ويابسة سنة عشرين وخمسمائة وانقرض بعد ذلك أمر المرابطين وتقدم وفد الأندلس إلى عبد المؤمن وبعث معهم أبا اسحق براق بن محمد المصمودي من رجالات الموحدين وعقد له على حرب لمتونة كما يذكر في أخبارهم فملك أشبيلية واقتضى طاعة يحيى بن علي بن غانية واستنزله عن قرطبة إلى حمال والقليعة فسار منها إلى غرناطة يستنزل من بها من لمتونة ويحملهم على طاعة الموحدين فهلك هنالك سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ودفن بقصر باديس وأما محمد بن علي فلم يزل واليا إلى أن هلك وقام بأمره بعده ابنه عبد الله ثم هلك وقام بالأمر أخواه اسحق بن محمد بن علي وقيل إن إسحق ولي بعد ابنه محمد وأنه قتله غيرة من أخيه عبد الله لمكان أبيه منه فقتلهما معا واستبد بأمره إلى أن هلك سنة ثمانين وخمسمائة وخلف ثمانية من الولد وهم: محمد وعلي ويحيى وعبد الله والغاري وسير والمنصور وجبارة فقام بالأمر ابنه محمد ولما أجاز يوسف بن عبد المؤمن بن علي إلى ابن الزبرتير لاختبار طاعتهم ولحين وصوله نكر ذلك إخوته وتقبضوا عليه واعتقلوه وقام بالأمر أخوه علي بن محمد بن علي وتلوموا في رد ابن الزبرتير إلى مرسله وحالوا بينه وبن الأسطول حين بلغهم أن الخليفة يوسف القسري استشهد في الجهاد باركش من العدوة وقام بالأمر ابنه يعقوب واعتقلوا ابن الزبرتير وركبوا البحر في اثنتين وثلاثين أقطعة من أساطيلهم وأسطوله وركب معه إخوته يحيى وعبد الله والغازي وولي علي ميورقة عمه أبا الزبير وأقلعوا إلى بجاية فطوقوها على حين غفلة من أهلها وعليها السيد أبو الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن وكان بايميلون من خارجها في بعض مذاهبه فلم تمانعه أهل البلد واستولوا عليها في صفر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة واعتقلوا بها السيد أبا موسى بن عبد المؤمن كان قافلا من أفريقية يؤم المغرب واكتسحوا ما كان بدار السادة والموحدين وكان والي القلعة قاصدا مراكش وهو يستخبر خبر بجاية فرجع وظاهر السيد أبا الربيع وزحف إليهما علي بن غانية فهزمهما واستولى على أموالها وأسريا ولحقا بتلمسان فنزلا بها على السيد أبي الحسن بن أبي حفص بن عبد المؤمن وأخذ في تحصين تلمسان ورم أسوارها وأقام عند السيد يرومان الكرة من صاحب تلمسان.
وعاث علي بن محمد بن غانية في الأموال وفرقها في ذؤبان العرب ومن انضاف إليهم ورحل إلى الجزائر فافتتحها وولى عليها يحيى بن أبي طلحة ثم افتتح مازونة وانتهى إلى مليانة فافتتحها وولى عليها بدر بن عائشة ثم نهض إلى القلعة فحاصرها ثلاثا ودخلها عنوة وكانت في المغرب خطة مشهورة.
ثم قصد فسنطينة فامتنعت عليه واجتمعت إليه وفود العرب فاستنجدهم وجاؤا بأحلافهم ولما اتصل الخبر بالمنصور وهو بسبتة مرجعه من الغزو سرح العساكر في البر لنظر السيد أبي زيد بن حفص بن عبد المؤمن وعقد له على المغرب الأوسط وبعث الأساطيل إلى البحر وقائدها أحمد الصقلي وعقد عليها لأبي محمد بن إبراهيم بن جامع وزحف العساكر من كل جهة فثار أهل الجزائر على يحيى بن أبي طلحة ومن معه وامكنوا السيد أبا يزيد فقتلهم على شلف وعفا عن يحيى لنجدة عمه طلحة وكان بدر بن عائشة أسرى من مليانة واتبعه الجيش فلحقوه أمام العدو فتقبضوا عليه بعد قتال البرابرة حين أرادوا إجارته وقادوه إلى السيد أبي يزيد فقتله.
وسبق الأسطول إلى بجاية فثار بيحيى بن غانية وفر إلى أخيه علي لمكانه من حصار قسنطينة بعد أن كان أخذ بمخنقها ونزل السيد أبو زيد بعساكره بتكلات من ظاهر بجاية وأطلق السيد أبا موسى من معتقله.
ثم رحل في طلب العدو فأفرج عن قسنطينة بعد أن كان أخذ ومضى شديدا في الصحراء والموحدون في اتباعه حتى انتهوا مغرة ونغارس ثم نقلوا إلى بجاية واستنفر السيد أبا زيد بها وقصد علي ابن غانية في قفصة فملكها ونازل بورق وقسطيلية فامتنعت وارتحل إلى طرابلس وفيها قراقش الغزي المطغري وكان من خبره على ما نقل أبو محمد التيجاني في كتاب رحلته: أن صلاح الدين صاحب مصر بعث تقي الدين ابن أخيه شاه إلى المغرب لافتتاح ما أمكنه من المدن تكون له معقلا يتحصن فيه من مطالبة نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام الذي كان صلاح الدين عمه من وزرائه واستعجلوا النصر فخشوا عاديته ثم رجع تقي الدين من طريقه لأمر عرض له ففر قراقش الأرمني بطائفة من جنوده وفر إبراهيم بن قراتكين سلاح دار المعظم نسبة للملك المعظم شمس الدولة بن أيوب أخي صلاح الدين.
فأما قراقش فلحق ششرية وافتتحها وذلك سنة ست وثمانين وخمسمائة وخطب فيها لصلاح الدين ولأستاذه تقي الدين وكتب لهما بفتح زويلة وغلبه بني خطاب الهواري على ملك فزان وكانت ملكا لعمه محمد بن الخطاب بن يصلتن بن عبد الله بن صنغل بن خطاب وهو آخر ملوكهم وكانت قاعدة ملكه زويلة وتعرف زويلة ابن خطاب فتقبض عليه وغلبه على المال حتى هلك ولم يزل يفتح البلاد إلى أن وصل طرابلس واجتمع عليه عرب دياب بن سليم ونهض بهم إلى جبل نفوسة فملكه واستخلص أموال العرب واتصل به مسعود بن زمام شيخ الوزاودة من رياح عند مفرة من المغرب كما ذكرناه واجتمعت أيديهم على طرابلس وافتتحها واجتمع إليه ذؤبان العرب من هلال وسليم وفرض لهم العطاء واستبد بملك طرابلس وما وراءها وكان قراقش من الأرمن وكان يقال له المعظمي والناصري لأنه يخطب للناصر صلاح الدين وكان يكتب في ظهائره ولي أمير المؤمنين بسكون الميم ويكتب علامة الظهيرة بخطه وثقب بالله وحده أسفل الكتاب وأما إبراهيم بن قراقش صاحبه فإنه سار مع العرب إلى قفصة فملك جميع منازلها وراسل بني الزند رؤساء قفصة فأمكنوه من البلد لانحرافهم عن بني عبد المؤمن فدخلها وخطب للعباسي ولصلاح الدين إلى أن قتله المنصور عند فتح قفصة كما نذكره في أخبار الموحدين.